كيف أصبح أفضل طعام صحي خطراً على صحة البشرية. وما العمل ؟
ال PCB، ملوث الأسماك الخفي
المفارقة الكبيرة في مركبات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور polychlorinated biphenyls، أنها مازالت تواصل تسميمنا مع أنها ممنوعة منذ عشرات السنين.
حتى نهاية عقد السبعينات، كانت الصناعة تستخدم هذه المركبات الكيميائية بكميات ضخمة. وقد رُميت في مجاري المياه، ملوّثةً الأنهار والشطآن. لقد انتشرت أيضاً في الهواء…لتعاود السقوط في أعماق البحار.
المشكلة الكبرى مع ال PCB أنها غير قابلة للتحلل إلا بشكل ضئيل جداً: عندما تنتشر من حولنا، فهي تتراكم في البيئة… وتصبح طعاماً للأسماك. نجد منها القليل أيضاً في اللحوم والحليب، ولكن بكمية أقل.
هذه السموم ممنوعة في أغلب دول العالم منذ الثمانينات… لكن بما أنها منتشرة في كل مكان – في الطلاء، الأسفلت، الغراء، المنسوجات، المواد اللاصقة – فهي تواصل الإنتشار رويداً رويداً… وتتراكم في بيئتنا!
لهذا السبب يتزايد عدد المناطق الموبوءة بهذه المواد سنوياً رغم أنها ممنوعة منذ أكثر من 30 سنة!
ففي 1 نوفمبر 2015، مثلاً، قررت السلطات السويسرية والفرنسية منع بيع أسماك الترويت الكبيرة المصطادة من بحيرة ليمان… بسبب محتواها المرتفع جداً من ال PCB!
لأن هذه ال PCB لا تتراكم فقط في الطبيعة: إنها تتراكم أيضاً في أجسامنا ونحتاج سنوات، وحتى عشرات السنوات، للتخلص منها.
لهذا السبب تصنف منظمة الصحة العالمية الديوكسينات من فئة PCB على أنها مسببات مؤكدة للخلل في الغدد الصماء، وأنها مخربة لجهاز المناعة… وحتى أنها عوامل محفزة للسرطان.
تصنيف ال “PCB” : مأساة الأسماك الصغيرة المدهنة !
من الطبيعي أن تكون أسماك الأنهار والشطآن هي الأكثر تأثراً بال PCB والديوكسينات الأخرى. سمك الكراكي، السلور، والأنكليس ملوثة بشكل جذري، وهي إذن غير صالحة للإستهلاك نهائياً. لا تأسفوا على مقاطعة هذه الأنواع الغنية أيضاً بالزئبق.
المأساة هي أن الأسماك الأكثر إفادة صحية – لأنها مشبعة بالزئبق وغنية بالأوميغا 3 – هي أيضاً الأكثر تأثراً بالتلوث بال PCB.
إنها حالة السردين بالذات: استناداً إلى وكالة سلامة الغذاء الفرنسية، فإن السردين هو الأكثر مساهمة في وجود ال PCB (وملوثات أخرى عضوية دائمة) في طعامنا.
هذا لسوء الحظ منطقي تماماً: الأوميغا 3 هي دهون…والدهون هي المكان الأفضل لتسرب المواد الملوثة وتراكمها.
هذه المقولة تصح بالنسبة للأسماك (كلما كانت الأسماك دهنية أكثر، كلما راكمت ال PCB من محيطها أكثر)، كما بالنسبة للثدييات (تتركز السموم في دهون اللحم والحليب)… وبالنسبة للبشر (تتراكم الملوثات في دهونكم، من هنا أهمية أن تحافظوا على رشاقتكم !).
نعاود الإستشهاد بتقرير وكالة سلامة الغذاء الفرنسية: “من الجدير ذكره أن هذه الأنواع، وخصوصاً السلمون، السردين والأسقمري، هي أسماك دهنية، وإذا كانت مصدراً جيداً للأوميغا 3، فهي تحتوي أيضاً مستويات مرتفعة من الملوثات العضوية الدائمة وهي المصدر الأساسي لها”.
لا يذكر التقرير الأسماك الصغيرة الأخرى الغنية بالأوميغا 3، الرنكة والأنشوفة. لكن تناول الرنكة فيه مخاطرة : هناك تقرير يعود إلى سنة 2002 شدد على التلوث الخطير للرنكة بالديوكسين وال PCB.
بقيت الأنشوفة التي هي الخيار الأكثر أماناً، بدون شك لأن دورة حياتها قصيرة جداً: إنها تموت قبل أن يتراكم فيها الكثير من السموم.
لقد انتهينا تقريباً مع الأخبار السيئة…ولكن بقي القليل :
رصاص، كادميوم، مبيدات حشرية، مؤخرات الاشتعال: ختامها مسك!
استناداً إلى وكالة سلامة الغذاء الفرنسية، فإن السردين يحتوي أيضاً كميات مرتفعة من الرصاص، وهو سبب إضافي كي تتفاداه النساء الحوامل كلياً. كما تم العثور على كميات مفرطة من الرصاص في سمك موسى، ومن الكادميوم في سمك القد.
لكن المنتجات البحرية التي تحتوي أعلى نسبة من هذين المعدنين الثقيلين (الرصاص والكادميوم) ليست أسماكاً : إنها بلح البحر والقواقع والحبار.
لم نذكر ثمار البحر كثيراً حتى الآن…هل كنتم تعتقدون أنكم تستطيعون مواصلة تناولها بانتظام وبكل طمأنينة ؟ بالتأكيد لا، بما أنها ملوثة بال PCB بشكل كبير.
هناك ملوثات أخرى نجدها بشكل شائع في الأسماك: المبيدات الحشرية. في الولايات المتحدة، خلال تحليل عينات من سوبرماركت في دالاس، وجد الباحثون 24 مبيداً حشرياً (من نوع DDT) من أصل 32 في السلمون و17 من أصل 32 في علب السردين المحفوظة – بالإضافة إلى كميات مرتفعة من ال PCB التي تم العثور عليها في هذه العينات.
أحيراً نجد “مؤخرات اللهب” في الأسماك، وأحياناً بكميات عالية. هذه المواد السامة موجودة خصوصاً في ثمار البحر، السلمون المربى في المزارع وأسماك السلور.
نصائحنا كي تتفادوا التسمم:
إذن ما العمل؟
هذا يتعلق كثيراً بعمركم، بوضعكم (امرأة في عمر الإنجاب، الخ.) وبحالتكم الصحية. لكن، بشكل عام، إليكم بضع نصائح حكيمة وتنبع من الحس السليم:
- لا للتونة، سمك أبو سيف، الأنكليس، سمك الكراكي: إنها أسماك عليكم أن لا تدخلوها إلى طعامكم، وخصوصاً بسبب محتواها المرتفع من الزئبق؛
- كلوها في المناسبات فقط (إذا أحببتم !): الهامور، النازلي، الباس، الراهب، البوري الأحمر، الأبراميس (الفريدي)، الشفنين، سمك موسى، الحبار، سمك القد، السلمون المربى في المزارع (حتى لو كان عضوياً)، ثمار البحر؛
- مرة في الشهر، إذا فعلتم هذا، تحققوا من مصدرها: التروتة، سرطان البحر، الرنكة، الأسمقري، البياض (الميرلان)، السردين، المحار؛
- مرة أو مرتان في الأسبوع: الأنشوفة (من المحيط الأطلسي)، الجمبري أو القريدس (تفادوا الذي مصدره من آسية !)، السلمون البري من الألاسكا، قواقع سانت جاك.
- ونصيحة أخرى: إذا كنتم عند بائع السمك وترددتم ما بين السمك الصغير والكبير من نفس النوع، اختاروا الصغير: الأسماك الأقل عمراً تراكم سموماً أقل في دهنها.
قد ترون أن هذه المقالة متشددة جداً، لكنكم ستتجنبون تراكم معادن ثقيلة وملوثات كيميائية في جسمكم لعشرات السنين. ونكرر أن الأوميغا 3 ضرورية جداً. إذا لم تأكلوا كل أسبوع سلمون الألاسكا (فهو باهظ الثمن جداً !) أو كميات جيدة من الأنشوفة (لا يحب الجميع طعمها !)، كلوا البيض المدعم بالأوميغا 3 أو خذوا كبسولات الأوميغا 3.
انتبهوا أيضاً لئلا تعانوا من النقص في السيلينيوم واليود، وهي معادن أساسية موجودة في الأسماك (لحسن الحظ ان القريدس أو الجمبري غنيان بهما).
ولا تنسوا أن تحافظوا على معنوياتكم، مع أن هذا صعب في ظل هذه المعلومات…