جرت دراسة على أكثر من 38000 امرأة معدلات أعمارهن أعلى من 60 سنة في ولاية آيوا (Iowa Women’s Health Study)، ووجدت هذه الدراسة تأثيرات جانبية لتناول مكملات غذائية معينة. ما الذي كشفت عنه هذه الدراسة ؟
لقد أظهرت أن هناك زيادة ملموسة في نسبة الوفيات عندما تحتوي المكملات الغذائية التي يتناولها الأشخاص على النحاس والحديد، وأن هناك تراجعاً ملحوظاً في الوفيات عندما تحتوي على الفيتامين D و/ أو الكالسيوم.
هل هذه الزيادة في الوفيات كبيرة ؟
نعم، إنها بنسبة %18 بالنسبة للنحاس، ولكنها تصل بالنسبة للحديد إلى : %85 إذا كانت الجرعة من 50 إلى 200 ملغ يومياً و%100 إذا كانت جرعة الحديد 400 ملغ يومياً. يقول المشرفون على الدراسة :”يرتبط تناول مكملات الحديد بارتفاع معدل الوفاة مستقبلياً لفترة زمنية تصل إلى 19 سنة عند النساء اللواتي لا يعانين من أي عوارض لها علاقة بأمراض القلب والشرايين والسكري والسرطان”.
كيف نشرح سبب هذا ؟
كما يؤكد الباحثون، فإن الحديد والنحاس محفزان لعملية الأكسدة (أي الصدأ). في وجود الهواء (وبالتالي الأوكسجين) يصدأ الحديد. يحفز الحديد -والنحاس- تشكيل الجذور الحرة، وخصوصاً بوجود الفيتامين C. هذا ما يسمى تفاعل Fenton. إنه يحوّل الفيتامين C، الذي هو عادةً مضاد أكسدة قوي، إلى محفز أكسدة شرس. هذه الخاصية تستخدمها الكريات البيضاء لمهاجمة الفيروسات والبكتيريا. لكن بالمقابل، فإن تشكّل الجذور الحرة (التي تنتج الأكسدة) في المكملات الغذائية (نفس المشكلة موجودة في الأطعمة المقواة بالحديد) أمر غير مرغوب فيه نهائياً.
نعرف منذ زمن طويل هذه الخصائص التي قادت العديد من مصنعي المكملات الغذائية إلى إلغاء الحديد والنحاس من منتجاتهم. فزيادة مستوى الحديد والنحاس له تأثيرات كارثية. هذا ما نلاحظه في مرض فرط حمل الحديد Iron overload، وهو مرض وراثي يؤدي إلى غزو الحديد للأنسجة وامتصاصه منها. مما يؤدي إلى تشمع الكبد، قصور القلب، تسارع الشيخوخة والوفاة المبكرة جداً. لمحاربة هذا المرض، يجب أن يقوم الشخص المصاب بسحب الدم بشكل منتظم.
لكن بصرف النظر عن هذا المرض، فإن كل الناس يتراكم الحديد في أجسامهم مع العمر. وهذا يحدث عند الرجال بشكل أسرع منه عند النساء بفضل العادة الشهرية التي تجعل المرأة تفقد الدم. في الكريات الحمراء، يتواجد الحديد الذي يتخلص منه الجسم مع العادة الشهرية. نعتقد اليوم أنه أحد العوامل الرئيسية التي تشرح لماذا معدل عمر النساء يزيد ب 7 سنوات عن الرجال ولماذا %85 من المعمرين فوق المئة هن نساء.
لكن ألا تعاني النساء من نقص الحديد ؟
نعم، ولكن بالذات النساء اللواتي تكون عادتهن الشهرية غزيرة والنساء الحوامل واللواتي لا يتناولن اللحوم. وجدت الدراسة أن %23 من النساء في سن الإنجاب لديهن احتياطي حديد منخفض، و%5 بعد سن اليأس. إذن فقط هؤلاء النساء يستطعن الاستفادة من مكملات الحديد. ولكن هذا الحديد يكون امتصاصه أفضل بكثير وخطره أقل بكثير إذا أخذنه من الأطعمة (لحوم حمراء، كبد)، بدل المكملات حيث يشكل خطورة على الجسم ويحفز عمليات الاكسدة والالتهاب فيه. لكن كل الآخرين : %67 من النساء الشابات و%95 من النساء في سن اليأس والغالبية العظمى من الرجال الذين يأكلون الكثير من اللحوم، لا يناسبهم أبداً تناول مكملات تحتوي على الحديد.
يجب أن تزيد النساء كمية الحديد الذي يحتجنه عن طريق النظام الغذائي فقط. هل هناك مخاطر اخرى مرتبطة بالإفراط في تناول الحديد ؟
نعم، وبشكل كبير. الحديد هو عامل مشجع على نمو الفيروسات والبكتيريا والفطريات والطفيليات…إنه يشجع كل نوع من الالتهابات. يجب أن لا تتناولوا الحديد خلال الإصابة بالتهاب. إنه عامل مشجع أيضاً لنمو الخلايا السرطانية ويساهم في الالتهاب الذي يجعل الأورام تتكاثر. الحديد الذي يتراكم في كل الأنسجة مع العمر، يسرّع الشيخوخة وخطر الأمراض الانحلالية في كل الأنسجة عملياً، بما فيها القلب والدماغ. برهن الباحثون أن الدخول الزائد للحديد إلى الخلايا العصبية يلعب دوراً مركزياً في تدمير الخلايا العصبية في مرضي باركنسون وألزهايمر.
وماذا عن النحاس ؟ إنه يُعتبر غالباً مضاداً للفيروسات ومضاداً للالتهابات.
إنه مضاد للفيروسات في الكريات البيضاء، حيث يشارك مع الحديد والفيتامين C في تصنيع الجذور الحرة الأشرس على الإطلاق. لكن عندما نتناوله، حتى مع معادن أخرى مثل الذهب والفضة، يصبح سماً خطيراً، ويغزو الجهاز الهضمي معتدياً على كل ما يمر في طريقه. إنه كما لو أن هناك إرهابي في المطار والجنود يطلقون النار عشوائياً. إنهم يقتلون مسافرين أكثر مما يقتلون إرهابيين.
نفس الشيء يحدث مع الحديد والنحاس اللذان لا يلعبان دورهما إلا مرتبطين ببروتينات تلغي دورهما وفي الكريات البيض. ولكن حتى في ظل هذه الحماية الشديدة، سيحدث الضرر. لهذا عندما نصاب بالزكام، يصبح أنفنا أحمر وساخناً (التهاب ينتج عن إفرازات هجومية للكريات البيض) ويمكن أن يرشح القيح الناتج عن الكريات البيضاء التي قُتلت وهي تهاجم هذه الجذور الحرة. فيما يتعلق بالالتهاب، فإن كل جهد يسبب الأكسدة : تدخين سيجارة، استنشاق الدخان المنبعث من عوادم السيارات، التعرض للإشعاعات…سيحفز الدفاعات المضادة للأكسدة والمضادة للالتهاب.
لكن ميزان الإيجابيات والسلبيات مختل جداً هنا. هناك الكثير من الأطعمة والمواد المغذية الغنية بعناصر ناشطة مضادة للالتهاب مثل البوليفينولات (فواكه وخضار، شاي أخضر، شوكولا سوداء)، الأحماض الدهنية أوميغا 3 (الأسماك المدهنة)، المغنيزيوم (مياه معدنية، بقوليات، صويا، مكملات غذائية…) ليس لديها سيئات النحاس، وبالمقابل لها فوائد عديدة.