اكتشفت اليوم محاضرة ج ك رولينغ (مؤلفة هاري بوتر) التي ألقتها أمام طلاب جامعة هارفرد عام .2008 أن نكون متأخرين خير من ألا نصل أبداً!
سأشارك معكم الأفكار الأساسية لأن هذا النوع من المحاضرات يمكن أن يغير حياتكم فعلاً.
عندما تكلمت ج ك رولينغ عن الخيال، لم تكن تقصد فقط الإبداع ولكن أيضاً (وخصوصاً) الاخلاق والالتزام والتعاطف. بحسب ما تقول، فالخيال هو الشرط الأساسي للتعاطف ولحياة ناجحة سليمة.
قدرات التخيّل
تؤكد ج ك رولينغ على أهمية الخيال لكن بمعنى أوسع مما ننسبه عموماً لهذا المفهوم.
الخيال ليس فقط القدرة البشرية على تصور ما ليس موجوداً، وهذا هو مصدر الاختراعات والابتكارات. الخيال له بعدٌ أكثر قدرة على التغيير والاكتشاف، إنها الفطرة التي تسمح لنا بالتعاطف مع البشر الآخرين الذين لم نعش تجاربهم.
قبل كتابة هاري بوتر، عملت ج ك رولينغ في مؤسسة Amnesty International. كانت تهتم برسائل الأشخاص الذين يحيطون المؤسسة الإنسانية علماً بالفظائع المرتكبة في بعض الديكتاتوريات الأفريقية. هؤلاء الأشخاص كانوا يخاطرون بحياتهم وهم يخبرون عما يجري في هذه الدول. تروي رولينغ أنها شاهدت صور أشخاص معذبين، وأنها قابلت أشخاصاً فقدوا كل اتصال مع الأقارب الذين بقوا هناك، وأنها قرأت شهادات أشخاص كانوا شهوداً على عمليات إعدام أو اغتصاب… تروي أنها رافقت شاباً أفريقياً حتى محطة المترو بعد أن قدم شهادته عن العنف الذي تلقاه في موطنه. وقد دخلت إلى أعماق قلبها الكلمات التي قالها هذا الشاب الذي، رغم الرعب الذي عاشه، شكرها بحرارة وتمنى لها كل السعادة في العالم.
روت أنها شعرت بالكثير من الامتنان لكونها من بلد مثل انكلترا يعيش في سلام وأنها رأت الكثير من الكوابيس بعد كل ما قرأته أو سمعته أو شاهدته في إطار هذا العمل. وللتناقض، فقد اختبرت في نفس الوقت أجمل التجارب على صعيد الطيبة البشرية.
قدرة التعاطف البشري تقود إلى أفعال جماعية لإنقاذ حيوات وتحرير سجناء. كما أي نوع من الكائنات على الأرض، البشر يستطيعون أن يتعلموا ويفهموا بدون أن يقوموا بالضرورة بالتجربة الحقيقية. كلنا لدينا الإمكانية على أن نضع أنفسنا مكان أحد آخر. بالرغم من هذا، هذه القدرة على التعاطف محايدة (إنها كالسحر كما تذكّر ج ك رولينغ). البعض قد يستخدمون التعاطف للتلاعب، للتحكم بدل أن يفهموا أو يقدموا المساعدة.
خطر آخر يظهر عندما يفضّل بعض الأشخاص أن لا يحركوا خيالهم على الإطلاق. إنهم يفضّلون أن يبقوا في داخل تجربتهم الشخصية الخاصة منغلقين على معاناة الآخرين. مثلاً، لا يتساءل البعض أبداً كيف كانوا سيعيشون لو ولدوا في مكان آخر أو في عصر آخر. يمكننا أن نرفض أن نعرف، نرفض أن نشعر، وهكذا نمنع عن أنفسنا الخيال والتعاطف.
هذا الانعدام في الحساسية وهذا النقص في الخيال قد يكون شيئاً مرغوباً فيه عند الكثيرين. لكن ج ك رولينغ تتساءل إذا كان هؤلاء الأشخاص يشاهدون كوابيس أقل من كوابيس الآخرين. مجرد أن نحشر أنفسنا في زاوية عقلية ضيقة ومعزولة قد يقودنا إلى نوع من الخوف المرضي العقلي. بالإضافة إلى أن رفض تمرين الخيال والتعاطف اللذين وهبتهما لنا الطبيعة يولّد وحوشاً قاسين خالين من الإنسانية.
ما ننجزه في داخلنا يغيّر الواقع الخارجي
تدريب مخيلتنا وتعاطفنا بحكمة هو، في نفس الوقت، مسؤوليتنا والعبء الملقى على عاتقنا. إذا اخترنا أن نستخدم تأثيرنا لنعطي صوتاً ورؤية لأولئك الذين ليس لديهم لا هذا ولا ذاك، إذا اخترنا أن نعيش إنسانيتنا في أن نرى انعكاسنا في الأشخاص الأقوياء الناجحين كما نراها في المعدمين، إذا اخترنا أن نتخيل ما ستكون عليه حياتنا لو ولدنا على أرض أقل ملاءمة لنا، عندها لن نكون فقط فخورين بأنفسنا، ولكننا سنصنع أيضاً فرقاً إيجابياً في حياة الأشخاص الآخرين.
لسنا بحاجة للسحر لتغيير العالم، نحن نحمل في داخلنا القدرة الضرورية والكافية؛ لدينا القدرة على تخيّل عالم أفضل. قدرات التخيّل تستطيع أن تملّكنا العالم.
تنهي ج ك رولينغ محاضرتها متمنية على طلاب جامعة هارفارد أن يتذكروا كلمات سينيك كي ترشدهم في حياتهم اليومية :
“الحياة مثل حكاية : ما يهم ليس طولها، بل قيمتها”.