مهما كانت أسباب العودة إلى الحماقة عند البشرية، فالنتائج العلمية واضحة : مستوى الذكاء iQ العالمي يتراجع.
“نحن نصبح أكثر فأكثر حماقة. وهذا يحدث في هذه اللحظة. وهو لن يتوقف. إذا لم نفعل شيئاً، فالحضارة التي ترتكز على الذكاء ذاهبة في الاتجاه المعاكس. وكل ما حولنا يجعلنا نعتقد أننا واصلون حتماً إلى هناك”.
Edward Dutton
النتائج الأولى وصلت من فنلندا. عالم الأنثروبولوجيا البريطاني أدوارد دوتون، المتخصص في تطور الذكاء، نشر دراسة صادمة في مجلة Intelligence. عندما قام بتحليل اختبارات الذكاء IQ التي خضع لها الجنود الشباب الاسكندينافيون عند انخراطهم في الخدمة العسكرية، لاحظ أن المنحنى البياني يتراجع. بينما كان ال IQ في ارتفاع مستمر حتى منتصف التسعينات، فقد بدأ هبوطاً سريعاً من نقطتين كل عقد من الزمن. اختبارات ال IQ للمجندين الجدد انخفضت 4 نقاط في المعدل، وهذه الملاحظات لا تنحصر في أوروبا الشمالية، فكل الدول الأخرى معنية أيضاً : أستونيا، فرنسا وألمانيا على رأس القائمة، وغيرها الكثير…
تقول برباره ديمينيك :”عندما أرى هذه المعطيات، أفكر فوراً بالغدة الدرقية. لماذا الغدة الدرقية؟ للإجابة على هذا السؤال، يكفي أن نفكر بحالات التقزم التي ظهرت في القرن التاسع عشر. كانت حالات التشوه هذه ترتبط بقصر القامة، بالتأخر العقلي، وغالباً بتضخم الغدة الدرقية. كان يجب أن ننتظر أبحاث الطبيب البريطاني بيتر فاراو، حتى نفهم أن حالات تقزم الأولاد مرتبطة مباشرة بنقص اليود عند الأمهات الحوامل.
إنه نقص ما زال يخلّف أضراراً حتى في أكثر الدول تحضراً : لاحظت منظمة الصحة العالمية وجود النقص في اليود في حوالى 50 بلد منها فرنسا، أسبانيا، ألمانيا وايطاليا. في سنوات ال 70، لاحظ الدكتور فرانسيسكو فيرميجليو أن العديد من الطلاب القادمين من قرى في الجبال كانوا يعانون من تأخر عقلي خفيف. فقرر عندها أن يتابع نمو مجموعتين من الأمهات، إحداهما تعيش على شاطئ البحر والأخرى في الجبال، وقام بقياس معدل اليود وهورمونات الغدة الدرقية خلال الحمل. ثم فحص أولادهن على امتداد 10 سنوات والنتائج ظهرت واضحة كعين الشمس : كان 11 ولداً من مناطق جبلية يعانون من اضطرابات في الانتباه والنشاط الزائد. أثبتت أبحاث دكتور فيرميجليو بوضوح كبير الرابط بين النقص في اليود خلال الحمل وانخفاض معدل الذكاء IQ للمواليد الجدد. ويذكّر الدكتور أن استهلاك الأسماك والملح الميود يبقى الحل الوحيد للوقاية من التقزم : عندما نأخذ اليود، تلتقطه الغدة الدرقية من أجل إنتاج الهورمونات الدرقية الشهيرة الضرورية لنمو دماغ الطفل.
بودرة ال PCB
النقص باليود لا يفسر وحده هذا الانخفاض المفاجئ في معدل الذكاء IQ : العوامل المسببة للخلل في الغدد الصماء هي السبب الأساسي في كل هذه الاضطرابات العقلية. الفلور، الكلور والبروم عناصر تصنع جزيئات كيميائية مشابهة تماماً لهورمونات الغدة الدرقية، عندما يمتصها الجسم تقوم بالتشويش الكامل على نمو الغدة الدرقية. نحن معرضون يومياً لهذه العوامل الكيميائية المؤذية لصحتنا ولصحة أولادنا، ومنها مادة ال PCB. إنها مادة مشتقة من الكلور، وقد استخدمت بشكل كبير في المحولات الكهربائية، وفي الطلاء والغراء والبلاستيك. وبرغم منع ال PCB في سنوات الثمانينات، فإن هذه المادة بقيت معنا، فقد تحولت إلى غبار وتغلغلت في الأسماك، اللحوم، منتجات الحليب ودخلت في أطباق طعامنا.
المنتجات الكيميائية تتبخر وتعود للسقوط على شكل غبار. يتجمع الغبار على أيدينا، لذلك فعندما نأكل، نحن نبتلعه. الاولاد الذين يتعرضون لهذه المادة ويضعون أيديهم في فمهم، لديهم معدل تركيز منها يمكن أن يصل من 3 إلى 5 مرات، وحتى 30 مرة أعلى من أهلهم.
درس توماس زولر عواقب استهلاك أطعمة ملوثة بال PCB على أناث الجرذان الحوامل : “ولدت الصغار مع خلايا عصبية في أمكنة سيئة. كان هناك خلل في بعض الجينات المهمة في وظائف الدماغ. وهذا يعني أن ال PCB يمكن أن تتفاعل مع مستقبلات هورمون الغدة الدرقية وتغيّر في نمو الدماغ”. ليس هناك أدنى شك في الرابط بين معدل ال PCB عند الأمهات الحوامل وانخفاض ال IQ عند أولادهن. نحن معرّضون لمنتجات كيميائية يمكن أن تسبب خللاً دائماً في عمل الدماغ.